كانت الطبيعة و ما زالت الملهم الاول لارباب الفن لاسيما الشعراء ذلك ان الطبيعة ترافق الشاعر بمظاهرها طوال حياته، و يستوحي منها عناصر تجربته الشعرية.
كان وصف الطبيعة في الشعر القديم بابا طرقه معظم الشعراء و اتسع المجال فيه و لم يخل منه ديوان من دواوينهم.
عالج الشعراء، الطبيعة في العصور المختلفة و امعنوا في وصف مظاهرها بمختلف الاوصاف و النعوت، فالشاعر الجاهلي ادرك معالم الجمال في طبيعة بيئته و قام بتصويرها جزئيا. و تخللت ابياته لوحات جميلة من الصور التشبيهية و الاستعارية التي استمدها من الطبيعة. فجاء وصف الطبيعة خلال قصائد الجاهلين تمهيدا للغرض الرئيسي من المدح و الهجاء و...
كان وصف الشاعر الجاهلي جزئيا مفصلا معتمدا على قوة الخيال فهو يصور كل مشاهداته من الطبيعة الحية و الصامتة، انه يصف الناقة و الخيول و الحمرالوحش بكل نعوتها و دقائقها كما يقوم بوصف الصخر و الجبال و السهول و الامطار بانواعها.
و من الشعراء الذين برعوا في شعر الطبيعة امرؤالقيس، طرفة بن العبد و زهير بن ابى سلمى. هذا هو امرؤالقيس الذي يصور مشهد السرعة في فرسه و يجعلنا امام جلمود من الصخر دفعه السيل من اعلى الجبال و يمزج الكر بالفر و الاقبال بالادبار و يعتمد على انفعالات حسية.
مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل
لكن هذا الوصف ظل حسيا مقتصرا على المشاهدات و المرئيات دون ان يندمج الشاعر فيما يصف و تمتزج احاسيسه بما يرى و يعيش بوجدانه فيما حوله، و رغم هذه المادة التصويرية المكثفة لا نجد مشاركة الطبيعة في احاسيس الشاعر مشاركة وجدانية صادقة.
و لما دخلت معالم الثقافة الفارسية فيالآداب العربية تطور فن الوصف حتى تبدل الى فن مستقل فيالعصر العباسي، و بدا الشعراء بوصف الرياض و الازهار و البساتين و افردوا بابا خاصا بشعر الطبيعة و اتسع نطاق وصف الطبيعة و تغيرت النعوت التي استخدمها العرب فياشعارهم.
و اشتهر من شعراء الوصف في هذا العصر ابن الرومي و ابن المعتز و الصنوبري الذين سجلوا ظاهرات الطبيعة تسجيل فن و دقة و اخرجوها اخراجا فنيا حافلا بالحياة و الحركة .
على سبيل المثال يعالج الصنوبري الطبيعة معالجة فسيفسائية محاولا احياءها باللون و الحركة و استنطاق مشاهدها بصور رائعة و كلمات جميلة في التعبير و هو في روضياته يرسم معرضا فنيا بتشخيص المشاهد و احياء المرئيات.
يقول الصنوبرى واصفا معركة الازهار:
خجل الورد حين لا حظه النرجس
من حسنه وغار البهار
فعلت ذاك حمرة، و علت ذا
صفرة و اعترى البهار اصفرار
و غذا الاقحوان يضحك عجبا
عن ثنايا لثامهن نضار
هام شعراء الاندلس بالطبيعة و ابدعوا فى وصف جمالها و تصوير مناظرها البديعة. يقول ابن خفاجة فى وصف شجرة نارنج:
الا افصح الطير، حتى خطب
و خف له الغصن، حتى اضطرب
فمل طربا بين ظل، هفا ،
رطيب، و ماء، هناك، انثعب
وجل في الحديقة اخت المنى،
ودن بالمدامة ام الطرب
وحاملة، من بنات القنا،
اماليد تحمل خضر العذب
تنوب، مورقة، عن عذار،
و تضحك، زاهرة، عن شنب
و تندى بها، في مهب الصبا،
زبرجدة اثمرت بالذهب
تفاوح انفاسها تارة
و طورا تغازلها من كثب
فتبسم، فى حالة، عن رضا ،
و تنظر، آونة، عن غضب
و قادهم الترف الوصفى الى اقامة مجالس مناظرات و منافسات بين الازهار و غيرها و التي حفلتبالبلاغة و الموسيقى العذبة و ان خلت من العمق و التحليق في آفاق واسعة. و امتاز شعرهم فيالطبيعة بالتنميق و التانيق .
هكذا كان شعر الطبيعة عند الشعراء العرب القدماء الذين وصفوا الطبيعة وصفا حسيا باستعمال التشبيهات و الاستعارات و المجازات.
و ظل الامر كذلك فى عصر النهضة عند اصحاب المدرسة الكلاسيكية امثال محمود سامي البارودي و احمد شوقي و حافظ ابراهيم. حيث اتبعوا سابقيهم القدامى في هذا المجال. حتى تغيرت نظرة الشعراء الى الطبيعة في العصر الحديث اثر تعرفهم على الآداب الغربية و تاثرهم بشعراء الغرب. فجاء شعرهم في الطبيعة كما جاء عند الشعراء الغربيين الرومانسيين الذين هاموا بالطبيعة و فتنوابها و اعتبروها الملاذ الاول الذي يجدون فيه الامن و العطف، فكانوا يلتجاون اليها هربا من متاعب الحياة و مشاكل الناس و قيود المجتمع. يبثونها مشاعرهم و انفعالاتهم و احزانهم و يتبادلون معها العواطف و الاحاسيس و يضعون عليها ذواتا حية و صفات انسانية. و شاع هذا الامر عند معظم الشعراء الرومانسيين من " خليل مطران" الى "عبدالرحمن شكري" و "على محمود طه" و "ابراهيم ناجي" و... .
شغلت الطبيعة جزءا كبيرا من شعر "خليل مطران" بصفته راس المدرسة الرومانسية حيث افرد لها القصائد الطوال و خلق فيها روحا حية و جعل منها كائنات مفكرة تشاركه في احواله و لهذا فهو حين يشاهد منظرا طبيعيا لا يصفه الوصف الحسي و لا يقف عند السطحية المجردة و لكنه يتاثر. بها و ينظر اليه من خلال فكره و شعوره فيعمل بما يرى بل انه قد تشرك الطبيعة في هذا الشعور فتكتئب لاكتئابه و تتالم لالمه او تفرح لفرحه. و من هنا يظهر لنا ان مطران كان عاشقا للطبيعة محبا لها الحب القوى و مثل هذه الرؤية للطبيعة تعد مذهبا شعريا في الادب العربي يخص بمطران في العصر الحديثا تبعه الشعراء المعاصرون .
وها هو خليل مطران الذي يلجا الى الطبيعة في قصيدته المساء و يتخذ من البحر صديقا يبثه نجواه و يشكو له همومه حيثيقول:
شاك الى البحر اضطراب خواطري
فيجيبني برياحه الهوجاء
ثاو على صخر اصم، و ليت لي
قلبا كهذى الصخرة الصماء
ينتابها موج كموج مكارهي
و يفتهاكالسقم في اعضائى
و البحر خفاق الجوانب صائق
كمدا كصدري ساعة الامساء
و الافق معتكر قريح جفنه
يعضى على الغمرات و الاقذاء
يا للغروب و مابه من عبرة
للمستهام و عبرة للرائى
او ليس نزعا للنهار و صرعة
للشمس بين ماتم الاضواء
و هو يشرك مظاهر الطبيعة من البحر و الصخر و الامواج في حالاته النفسية و يقيم على صخر لا يحس بآلامه فيتمنى ان يكونله قلب قاس صلب مثلهذهالصخرة حتى لا تشعر بآلام الحب و الفراق.
تلك الصخرة تستقبل تدافع الامواج دون ان تؤثر فيها بينما تتدافع امواج الآلام النفسية و الجسدية على قلب الشاعر فتؤثر فى جسمه كله.
و البحر كمظهر آخر يبدو مضطربا ضائقا مثلما يضيق صدره بما يعانيه حين يحل المساء. و هو حين شكا الى البحر اضطراب خواطره لم يقف البحر جامدا ازاءه بل انفعل لانفعاله و اجابه برياح الهوجاء التي عبرت عن العاصفة التي هبت على قلب الشاعر و هزت احساسه الداخلي و هنا يتم الاندماج و الامتزاج بين العالم الداخلي للشاعر و بين العالم الخارجي من الطبيعة.
فقد اصطدمت الامواج بالصخرة الصماء كما اصطدمت المكاره بقلبه و عصفتبها كما يصف السقم باعضائه. فنجدالافق من حول الشاعر تعلوه ظلمة و كانهااي الظلمة تنبع من قلب الشاعر لامن الآفاق التي تبدا في استقبال الظلام بحزن و اسى.
و يعد خليل مطران على هذا صاحب مذهب في الطبيعة تدفعه الى ذلك رقة احساسه و شدة اعجابه بكيانها المبدع و نظرته الشاملة للكون و مافيه. و هو الى جانب هذه المشاركة الوجدانية في قصيدته المساء، كان يميل الى التفاني في الطبيعة، فهو يسمح في ارجاء سكونها و في اعماق فضائها، فيحس بكل نغمة من نغماتها او صدى من اصدائها. و تحتضنه الطبيعة بعد ذلك كالام و تريه من بديع صنع الخالق ما تنبض به كل خلجة من خلجاته.
يلقى الشاعر الرومانسي باحزانه و همومه في احضان الطبيعة و يبثها آلامه و يتخذ بعضهم من الليل مستودعا لاسراره و همومه و فهو عندهم رمز الفناء لهذا العالم الصاخب و سبيل الخلاص مما فيه من آثام و مجال للانطلاق الرحب للخيالات و الاحلام .
و النهار عند هم يكشف عن الكائنات و يحدد معالمها واضحة دون غموض، لكن الليل يخفى معالم الاشياء و الكائنات فتذوب في بحر الظلام و ترفع الحدود و تسبح الروح في رحب اسراره.
و الليل مجال يبث الشاعر في سكونه و ظلمته، غربته و حزنه و حبه الضائع و آماله المفقودة بعيدا عن اعين الناس .
يعد اللجوء الى الطبيعة و الالتفات الى مشاهدها من ملامح النزعة الوجدانية عند شعراء مدرسة الديوان (عباس محمود العقاد المازني - عبدالرحمن شكري) و اتخذ هؤلاء الشعراء الثلاثة من الطبيعة رمزا لعالمهم النفسي و خلعوا عليها كثيرا من مشاعرهم الذاتية. فالبحر عندهم رمز للاسرار و الامتداد و الابد.
و عبدالرحمن شكري من الشعراء الذين اندمجوا في الطبيعة و عاشوا حياتهم متجاوبين مع اصداء انغامها و يرشفون احلى لمسات جمالها الخلاق فظهر ديوانهالاول عام1909 م. هادئا مبددا ظلمة الليل الحالك الذي ساد اغراض الشعر. الاوهو ديوانه ضوء الفجر و لهذا العنوان دلالة على عبادته للطبيعة التي يتجلى صدق احساسها و روعة تصميمها على الحياة و الاستمرار و الانتصار في اول اشعاعات الفجر فهذه تحية للشمس عند شروقها يقول فيها؟
اشرقي يا طلعة الشمس
علينا و اثيري
انت لعزى حياة
و حلى الروض النضير
ليك لاترتاح نفس
للبهاء المستنير
هذا الاستهلال البارع يعبرعن مكنون الشاعر الفرح المبتهج لهذا النور الذي يغمر الاحياء و الاغراس، و الرياض و يدخل ضوؤها في النفس فتسكين لبهائها المستنير. يبث في الشمس الحياة و يجعلها انسانا رحيما.
و يؤثر شكري احيانا ان يكون رساما يمسك بريشته و يتناول مظاهر الجمال في الطبيعة ليتصورها شعرا كما في قصيده حديقة:
فيحاء زان شبابها
لون الربيع الازهر
حين الحديقه جمة
تزهو باروع منظر
من كل محمود البها
ء مكلل و منور
و الورد يقطر بالندي
كالعاشق المستقبر
و اذا تتبعنا النضج الفني للشاعر في وصفه للطبيعة وجدنا ان الخيط الرومانسي يتضح و ينضج في ديوانه الثاني الذين صدر فيعام1913 و اطلق عليه لآلىء الافكار و يطالعنا بقصيدة مظلمة قاتمة تبعث في النفس رهبة و توقظ في الروح رجفة هي قصيدة "صوت الليل" و هل لليل صوت نسمعه؟ هكذا يتخيل الشاعر و يدمجبين مشاعره المبهجة الغامضة و بين الليل البهيم:
ملات الكون من نفس عميق
فاسمع كل ذى قلب صفيق
و اجريت الجلال على سكون
يفيض على ظلامك كالانيق
و افرست الحياة و براغيبها
و ريح الموت تخفق منك فيها
يا لها من صور رهيبة قاتمة كانما نسمع الليل حقا و هو يشهق و يزفر و تنفذ انفاسه الى قلوبنا ثم بعد ذلك الجلال و السكون و الظلام و الانين و اجراس الحياة و راغبي الحياة و الموت صورة قاتمة حزينة حقا.
ان الشاعر الرومانسى في العصر الحديثيفر الى الطبيعة هربا من وجه الحياة الكريه ثم يعدد و يمله و ينفر منه شان كل قلق مضطرب.
هكذا التفت الشعراء المعاصرون الى الطبيعة. ادخلوها غالبا من حيث لايشعرون في نسيج فكرتهم العامة عن الحياة و شكواهم الصارخة ضد الاحياء و مالوابها نحو التامل و العبرة و بذلك يمكن القول: ان الوصف في مجموعه كان من النوع الذاتي الذي يهتم فيه الشاعر بالحديث عن نفسه اكثر من الموصوف و هذا النوع من الشعر موغل في الذايته، ثم انه يمتطى فيه اجنحة الخيال فيرتفع بنفسه و بالموصوف الى اجواء شاعرية ساحرة لعل من اروع النماذج لهذا اللون .
من اى عهد فى القرى تتدفق
و باى كف فى المدائن تغدق
و من السماء نزلت ام فجرت من
عليا الجنان جداولا نترقرق
و باى نول انت ناسجبردة
فى الضفتين جديدها لا يخلق
فى كل آونة تبدل صبغة
عجبا و انت الصانع المتانق
تسقى و تطعم لا اناؤك ضائق
بالواردين و لا خوانك ينفق
و الماء تسكبه فيسبك عسجدا
و الارض تغرقها فيحيا المغرق
المراجع
لغة الشعر العربى الحديث، مقوماتها الفنية و طاقاتها الابداعية سعيد الورق. دار النهضة العربية، بيروت ، ط3، 1984.
الشعرو اللغة، لطفى عبدالبديع، الحركة المصرية العالمية للنشر، ط1917النقد الادبى الحديث. اصوله و التجاهات رواده، محمد زغلول سلام.
الشعر المترجم و محركة التجديد في الشعر الحديث، حلمى بدير دار المعارف، القاهره ط 2 1991 .
- عبدالرحمن شكري، شاعرالوجدان، سيرى محمد سلامه، دارالمعرفة الجامعية، اسكندرية، مصر 1994 .
- التجديد في شعر خليل مطران، سعيد حسين منصور، الهيئة المصرية العامة التاليف والنشر ط 2،1977 م.
الاتجاه الوحدانى في الشعر العربي المعاصر عبد القادر القط، دارالنهضة، بيروت، ص 2 1981 م
الشعر العربي في المهجر، محمد عبدالغنى حسن مؤسسة الخانجى، القاهره ط 2 1962 م
منقول للفائدة لى ولكم
كان وصف الطبيعة في الشعر القديم بابا طرقه معظم الشعراء و اتسع المجال فيه و لم يخل منه ديوان من دواوينهم.
عالج الشعراء، الطبيعة في العصور المختلفة و امعنوا في وصف مظاهرها بمختلف الاوصاف و النعوت، فالشاعر الجاهلي ادرك معالم الجمال في طبيعة بيئته و قام بتصويرها جزئيا. و تخللت ابياته لوحات جميلة من الصور التشبيهية و الاستعارية التي استمدها من الطبيعة. فجاء وصف الطبيعة خلال قصائد الجاهلين تمهيدا للغرض الرئيسي من المدح و الهجاء و...
كان وصف الشاعر الجاهلي جزئيا مفصلا معتمدا على قوة الخيال فهو يصور كل مشاهداته من الطبيعة الحية و الصامتة، انه يصف الناقة و الخيول و الحمرالوحش بكل نعوتها و دقائقها كما يقوم بوصف الصخر و الجبال و السهول و الامطار بانواعها.
و من الشعراء الذين برعوا في شعر الطبيعة امرؤالقيس، طرفة بن العبد و زهير بن ابى سلمى. هذا هو امرؤالقيس الذي يصور مشهد السرعة في فرسه و يجعلنا امام جلمود من الصخر دفعه السيل من اعلى الجبال و يمزج الكر بالفر و الاقبال بالادبار و يعتمد على انفعالات حسية.
مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل
لكن هذا الوصف ظل حسيا مقتصرا على المشاهدات و المرئيات دون ان يندمج الشاعر فيما يصف و تمتزج احاسيسه بما يرى و يعيش بوجدانه فيما حوله، و رغم هذه المادة التصويرية المكثفة لا نجد مشاركة الطبيعة في احاسيس الشاعر مشاركة وجدانية صادقة.
و لما دخلت معالم الثقافة الفارسية فيالآداب العربية تطور فن الوصف حتى تبدل الى فن مستقل فيالعصر العباسي، و بدا الشعراء بوصف الرياض و الازهار و البساتين و افردوا بابا خاصا بشعر الطبيعة و اتسع نطاق وصف الطبيعة و تغيرت النعوت التي استخدمها العرب فياشعارهم.
و اشتهر من شعراء الوصف في هذا العصر ابن الرومي و ابن المعتز و الصنوبري الذين سجلوا ظاهرات الطبيعة تسجيل فن و دقة و اخرجوها اخراجا فنيا حافلا بالحياة و الحركة .
على سبيل المثال يعالج الصنوبري الطبيعة معالجة فسيفسائية محاولا احياءها باللون و الحركة و استنطاق مشاهدها بصور رائعة و كلمات جميلة في التعبير و هو في روضياته يرسم معرضا فنيا بتشخيص المشاهد و احياء المرئيات.
يقول الصنوبرى واصفا معركة الازهار:
خجل الورد حين لا حظه النرجس
من حسنه وغار البهار
فعلت ذاك حمرة، و علت ذا
صفرة و اعترى البهار اصفرار
و غذا الاقحوان يضحك عجبا
عن ثنايا لثامهن نضار
هام شعراء الاندلس بالطبيعة و ابدعوا فى وصف جمالها و تصوير مناظرها البديعة. يقول ابن خفاجة فى وصف شجرة نارنج:
الا افصح الطير، حتى خطب
و خف له الغصن، حتى اضطرب
فمل طربا بين ظل، هفا ،
رطيب، و ماء، هناك، انثعب
وجل في الحديقة اخت المنى،
ودن بالمدامة ام الطرب
وحاملة، من بنات القنا،
اماليد تحمل خضر العذب
تنوب، مورقة، عن عذار،
و تضحك، زاهرة، عن شنب
و تندى بها، في مهب الصبا،
زبرجدة اثمرت بالذهب
تفاوح انفاسها تارة
و طورا تغازلها من كثب
فتبسم، فى حالة، عن رضا ،
و تنظر، آونة، عن غضب
و قادهم الترف الوصفى الى اقامة مجالس مناظرات و منافسات بين الازهار و غيرها و التي حفلتبالبلاغة و الموسيقى العذبة و ان خلت من العمق و التحليق في آفاق واسعة. و امتاز شعرهم فيالطبيعة بالتنميق و التانيق .
هكذا كان شعر الطبيعة عند الشعراء العرب القدماء الذين وصفوا الطبيعة وصفا حسيا باستعمال التشبيهات و الاستعارات و المجازات.
و ظل الامر كذلك فى عصر النهضة عند اصحاب المدرسة الكلاسيكية امثال محمود سامي البارودي و احمد شوقي و حافظ ابراهيم. حيث اتبعوا سابقيهم القدامى في هذا المجال. حتى تغيرت نظرة الشعراء الى الطبيعة في العصر الحديث اثر تعرفهم على الآداب الغربية و تاثرهم بشعراء الغرب. فجاء شعرهم في الطبيعة كما جاء عند الشعراء الغربيين الرومانسيين الذين هاموا بالطبيعة و فتنوابها و اعتبروها الملاذ الاول الذي يجدون فيه الامن و العطف، فكانوا يلتجاون اليها هربا من متاعب الحياة و مشاكل الناس و قيود المجتمع. يبثونها مشاعرهم و انفعالاتهم و احزانهم و يتبادلون معها العواطف و الاحاسيس و يضعون عليها ذواتا حية و صفات انسانية. و شاع هذا الامر عند معظم الشعراء الرومانسيين من " خليل مطران" الى "عبدالرحمن شكري" و "على محمود طه" و "ابراهيم ناجي" و... .
شغلت الطبيعة جزءا كبيرا من شعر "خليل مطران" بصفته راس المدرسة الرومانسية حيث افرد لها القصائد الطوال و خلق فيها روحا حية و جعل منها كائنات مفكرة تشاركه في احواله و لهذا فهو حين يشاهد منظرا طبيعيا لا يصفه الوصف الحسي و لا يقف عند السطحية المجردة و لكنه يتاثر. بها و ينظر اليه من خلال فكره و شعوره فيعمل بما يرى بل انه قد تشرك الطبيعة في هذا الشعور فتكتئب لاكتئابه و تتالم لالمه او تفرح لفرحه. و من هنا يظهر لنا ان مطران كان عاشقا للطبيعة محبا لها الحب القوى و مثل هذه الرؤية للطبيعة تعد مذهبا شعريا في الادب العربي يخص بمطران في العصر الحديثا تبعه الشعراء المعاصرون .
وها هو خليل مطران الذي يلجا الى الطبيعة في قصيدته المساء و يتخذ من البحر صديقا يبثه نجواه و يشكو له همومه حيثيقول:
شاك الى البحر اضطراب خواطري
فيجيبني برياحه الهوجاء
ثاو على صخر اصم، و ليت لي
قلبا كهذى الصخرة الصماء
ينتابها موج كموج مكارهي
و يفتهاكالسقم في اعضائى
و البحر خفاق الجوانب صائق
كمدا كصدري ساعة الامساء
و الافق معتكر قريح جفنه
يعضى على الغمرات و الاقذاء
يا للغروب و مابه من عبرة
للمستهام و عبرة للرائى
او ليس نزعا للنهار و صرعة
للشمس بين ماتم الاضواء
و هو يشرك مظاهر الطبيعة من البحر و الصخر و الامواج في حالاته النفسية و يقيم على صخر لا يحس بآلامه فيتمنى ان يكونله قلب قاس صلب مثلهذهالصخرة حتى لا تشعر بآلام الحب و الفراق.
تلك الصخرة تستقبل تدافع الامواج دون ان تؤثر فيها بينما تتدافع امواج الآلام النفسية و الجسدية على قلب الشاعر فتؤثر فى جسمه كله.
و البحر كمظهر آخر يبدو مضطربا ضائقا مثلما يضيق صدره بما يعانيه حين يحل المساء. و هو حين شكا الى البحر اضطراب خواطره لم يقف البحر جامدا ازاءه بل انفعل لانفعاله و اجابه برياح الهوجاء التي عبرت عن العاصفة التي هبت على قلب الشاعر و هزت احساسه الداخلي و هنا يتم الاندماج و الامتزاج بين العالم الداخلي للشاعر و بين العالم الخارجي من الطبيعة.
فقد اصطدمت الامواج بالصخرة الصماء كما اصطدمت المكاره بقلبه و عصفتبها كما يصف السقم باعضائه. فنجدالافق من حول الشاعر تعلوه ظلمة و كانهااي الظلمة تنبع من قلب الشاعر لامن الآفاق التي تبدا في استقبال الظلام بحزن و اسى.
و يعد خليل مطران على هذا صاحب مذهب في الطبيعة تدفعه الى ذلك رقة احساسه و شدة اعجابه بكيانها المبدع و نظرته الشاملة للكون و مافيه. و هو الى جانب هذه المشاركة الوجدانية في قصيدته المساء، كان يميل الى التفاني في الطبيعة، فهو يسمح في ارجاء سكونها و في اعماق فضائها، فيحس بكل نغمة من نغماتها او صدى من اصدائها. و تحتضنه الطبيعة بعد ذلك كالام و تريه من بديع صنع الخالق ما تنبض به كل خلجة من خلجاته.
يلقى الشاعر الرومانسي باحزانه و همومه في احضان الطبيعة و يبثها آلامه و يتخذ بعضهم من الليل مستودعا لاسراره و همومه و فهو عندهم رمز الفناء لهذا العالم الصاخب و سبيل الخلاص مما فيه من آثام و مجال للانطلاق الرحب للخيالات و الاحلام .
و النهار عند هم يكشف عن الكائنات و يحدد معالمها واضحة دون غموض، لكن الليل يخفى معالم الاشياء و الكائنات فتذوب في بحر الظلام و ترفع الحدود و تسبح الروح في رحب اسراره.
و الليل مجال يبث الشاعر في سكونه و ظلمته، غربته و حزنه و حبه الضائع و آماله المفقودة بعيدا عن اعين الناس .
يعد اللجوء الى الطبيعة و الالتفات الى مشاهدها من ملامح النزعة الوجدانية عند شعراء مدرسة الديوان (عباس محمود العقاد المازني - عبدالرحمن شكري) و اتخذ هؤلاء الشعراء الثلاثة من الطبيعة رمزا لعالمهم النفسي و خلعوا عليها كثيرا من مشاعرهم الذاتية. فالبحر عندهم رمز للاسرار و الامتداد و الابد.
و عبدالرحمن شكري من الشعراء الذين اندمجوا في الطبيعة و عاشوا حياتهم متجاوبين مع اصداء انغامها و يرشفون احلى لمسات جمالها الخلاق فظهر ديوانهالاول عام1909 م. هادئا مبددا ظلمة الليل الحالك الذي ساد اغراض الشعر. الاوهو ديوانه ضوء الفجر و لهذا العنوان دلالة على عبادته للطبيعة التي يتجلى صدق احساسها و روعة تصميمها على الحياة و الاستمرار و الانتصار في اول اشعاعات الفجر فهذه تحية للشمس عند شروقها يقول فيها؟
اشرقي يا طلعة الشمس
علينا و اثيري
انت لعزى حياة
و حلى الروض النضير
ليك لاترتاح نفس
للبهاء المستنير
هذا الاستهلال البارع يعبرعن مكنون الشاعر الفرح المبتهج لهذا النور الذي يغمر الاحياء و الاغراس، و الرياض و يدخل ضوؤها في النفس فتسكين لبهائها المستنير. يبث في الشمس الحياة و يجعلها انسانا رحيما.
و يؤثر شكري احيانا ان يكون رساما يمسك بريشته و يتناول مظاهر الجمال في الطبيعة ليتصورها شعرا كما في قصيده حديقة:
فيحاء زان شبابها
لون الربيع الازهر
حين الحديقه جمة
تزهو باروع منظر
من كل محمود البها
ء مكلل و منور
و الورد يقطر بالندي
كالعاشق المستقبر
و اذا تتبعنا النضج الفني للشاعر في وصفه للطبيعة وجدنا ان الخيط الرومانسي يتضح و ينضج في ديوانه الثاني الذين صدر فيعام1913 و اطلق عليه لآلىء الافكار و يطالعنا بقصيدة مظلمة قاتمة تبعث في النفس رهبة و توقظ في الروح رجفة هي قصيدة "صوت الليل" و هل لليل صوت نسمعه؟ هكذا يتخيل الشاعر و يدمجبين مشاعره المبهجة الغامضة و بين الليل البهيم:
ملات الكون من نفس عميق
فاسمع كل ذى قلب صفيق
و اجريت الجلال على سكون
يفيض على ظلامك كالانيق
و افرست الحياة و براغيبها
و ريح الموت تخفق منك فيها
يا لها من صور رهيبة قاتمة كانما نسمع الليل حقا و هو يشهق و يزفر و تنفذ انفاسه الى قلوبنا ثم بعد ذلك الجلال و السكون و الظلام و الانين و اجراس الحياة و راغبي الحياة و الموت صورة قاتمة حزينة حقا.
ان الشاعر الرومانسى في العصر الحديثيفر الى الطبيعة هربا من وجه الحياة الكريه ثم يعدد و يمله و ينفر منه شان كل قلق مضطرب.
هكذا التفت الشعراء المعاصرون الى الطبيعة. ادخلوها غالبا من حيث لايشعرون في نسيج فكرتهم العامة عن الحياة و شكواهم الصارخة ضد الاحياء و مالوابها نحو التامل و العبرة و بذلك يمكن القول: ان الوصف في مجموعه كان من النوع الذاتي الذي يهتم فيه الشاعر بالحديث عن نفسه اكثر من الموصوف و هذا النوع من الشعر موغل في الذايته، ثم انه يمتطى فيه اجنحة الخيال فيرتفع بنفسه و بالموصوف الى اجواء شاعرية ساحرة لعل من اروع النماذج لهذا اللون .
من اى عهد فى القرى تتدفق
و باى كف فى المدائن تغدق
و من السماء نزلت ام فجرت من
عليا الجنان جداولا نترقرق
و باى نول انت ناسجبردة
فى الضفتين جديدها لا يخلق
فى كل آونة تبدل صبغة
عجبا و انت الصانع المتانق
تسقى و تطعم لا اناؤك ضائق
بالواردين و لا خوانك ينفق
و الماء تسكبه فيسبك عسجدا
و الارض تغرقها فيحيا المغرق
المراجع
لغة الشعر العربى الحديث، مقوماتها الفنية و طاقاتها الابداعية سعيد الورق. دار النهضة العربية، بيروت ، ط3، 1984.
الشعرو اللغة، لطفى عبدالبديع، الحركة المصرية العالمية للنشر، ط1917النقد الادبى الحديث. اصوله و التجاهات رواده، محمد زغلول سلام.
الشعر المترجم و محركة التجديد في الشعر الحديث، حلمى بدير دار المعارف، القاهره ط 2 1991 .
- عبدالرحمن شكري، شاعرالوجدان، سيرى محمد سلامه، دارالمعرفة الجامعية، اسكندرية، مصر 1994 .
- التجديد في شعر خليل مطران، سعيد حسين منصور، الهيئة المصرية العامة التاليف والنشر ط 2،1977 م.
الاتجاه الوحدانى في الشعر العربي المعاصر عبد القادر القط، دارالنهضة، بيروت، ص 2 1981 م
الشعر العربي في المهجر، محمد عبدالغنى حسن مؤسسة الخانجى، القاهره ط 2 1962 م
منقول للفائدة لى ولكم
10/8/2008, 11:53 من طرف __mohannad__
» هيفاء وهبي - حبيبي انا 2008
10/8/2008, 11:47 من طرف __mohannad__
» الى جميع عشاق الدي جي
10/8/2008, 11:46 من طرف __mohannad__
» الهجاء
10/8/2008, 11:41 من طرف __mohannad__
» عــــــــا جـــــــــــــــــــــل البوم النجم الشاب محمـــــد حمـــــاقى
10/8/2008, 11:39 من طرف __mohannad__
» نكت تحشيش
5/8/2008, 12:40 من طرف حداقة
» اطللب كلمات الاغنية اللي انتا عايزها أدخل لمزيد من المعلومات
5/8/2008, 11:02 من طرف Abo Iyad
» خمس رسائل إلى أمي
22/7/2008, 15:37 من طرف الراقص مع الذئاب
» ابو محجوب الجزء 1
20/7/2008, 14:19 من طرف Abo Iyad